جيكيه ...

من أكثر المنبهات و المشروبات الساخنة التي يتعاطاها الأونشو كثاني قبيلة بعد قبائل شرق السودان...!

ذلك عزيزي القارئ هو مشروب البن... أو الجبنة والتي اطلقوها إصطلاحا علي مشروب البن حيث أطلقوا المكان وأرادوا به شاغله...!

والأونشو عرفت تعاطي مشروب البن منذ بداية القرن التاسع عشر حيث أتي به الجنود الذين شاركوا في الحرب العالمية الثانية أو حرب الطليان كما يحلو لهم تسميتها وذلك في دولة الأحباش أو أثيوبيا...!
فأثناء تواجدهم هناك ألفوا تعاطيها ومن ثم عند عودتهم أحضروا معهم هذه الحبة السحرية التي تنعش الجسم المرهق وتنشطه حسب إعتقاد مدمنيه...!
وقد عرف الأونشو عبر الأزمان أنواعا عديدة من البن وأدمنوا تعاطيها بل وأدخلوها من ضمن الضروريات القصوي ومطلوبات( شيلة) الزواج بحيث إنه إذا نقصت كمية البن في الشيلة ولو بمقدار فنجان فلابد أن يعاد النظر في هذه الزيجة بكاملها... وربما تعاد الشيلة برمتها لإكمالها بإتمام كمية البن والذي كان معياره ( جردل نصية) أو حوالي الإثنا عشر رطلا تقريبا...!
وهناك نوعان من البن يعرفهما الأونشو ويفضلونهما علي سائر الأنواع الأخري وهما البن الحبشي ذي الحبة الكبيرة والبن البرازيلي ذي الحبة الصغيرة ويطلقون عليه إسم( جيكيه)...!
ولهم فى معية البن جلسات وصولات وتقاليد وعادات......ومن تلكم العادات والتقاليد التى صاحبت جلسات تعاطي البن تلك التى تتميز بالطرافة والظرافة..... حيث يجتمع أهل الدار أو نساء القرية أو الجارات في جلسة حميمة وتوزع عليهم الفناجين( فناجيل) وبعض المأكولات الخفيفة كالسمسم أو الفول السوداني أو أي من مصنوعاتهما المطبوخة ومن ثم تدور الجبنة أو الإبريق الذي يحويه علي الجميع فيسكبوا منه علي فناجينهم...!
وأثناء دورة الجبنة تكون هنالك رقابة سرية جدا وصارمة موضوعة علي تصرفات كل شخص بالجلسة وربما ضبطت إحداهن وهي تخلط سكرها بواسطة أداة غير الملعقة المخصصة ( ربما بقشة أو عود صغير)... وهنا يقبض علي هذه الشخصية متلبسة بالجرم المشهود ويتم تغريمها... والغرامة بسيطة إما بعقد جلسة بمنزلها أو إهداء المجموعة كمية من البن والسكر.... ولكن حذاري فهناك مشكلة كبري...!
... فإنك إن دلقت أو أفلت فنجان البن من يدك أثناء تناولك له وإنكفأ مقلوبا علي الأرض فهنا تقوم القيامة.... فأنت في موقف حرج جدا... أو يلزمك لرفع الفنجان الذي سقط من مكانه يلزمك دفع غرامة مالية عظيمة وربما يشارك معك الأقارب والجيران والأصدقاء لحلك منها...
وبعد دفع الغرامة تبدأ المرحلة الثانية وهي مرحلة التحلل من عقد الجرم الذي حدث وهنا تلزمك دعوة كل من بالجلسة في دعوة عامة بمنزلك وربما تولم لهم بذبيحة وتهدي لصاحبة الفنجان الذي أوقعته من يدك هدية معبرة جدا ربما تصل في تكلفتها أحيانا تكلفة شيلة زواج بحاله...!
وفي يوم تنفيذ الجلسة تعد كل من كانت بالجلسة بدورها أطيب المأكولات وأخفها... وربما إنقسم الناس لفريقين... فريق يؤازر الشخص صاحب الدعوة وغالبا يكونون من الأقارب أو الجيران... وفريق يتبع المدعوين وهم من كانوا بالجلسة التي حدث بها إسقاط الفنجان وهؤلاء يتبعهم الغاوون...!
وعندما يلتقي الجمعان تسمع الزغاريد وصيحات الفرح ويدخلون دار الداعي ويلفهم صمت مشوب بالحذر... فقد بدأت جلسة تعاطي الجبنة وهنا الكل حذر أشد الحذر من الإتيان بأية غلطة تطبق عليه بموجبها غرامة ربما تكون مكلفة جدا بإعتبار كثرة عدد المدعوين الذين يراهم أمامه مع إفتراض زيادتهم بالغاويين...!
وبهذا المعدل الحذر يتناول الجميع ماتوفر من أطعمة جاد بها صاحب الدعوة أو أتت كدعم خارجي من المانحين والأصدقاء إغاثة لصاحبتنا من ورطتها تلك والتي كانت مجرد إفلات فنجان جبنة لايسوي شيئا... ولكنها العادة والعادة غلابة....
تلك كانت جولة سياحية عبر تقليد تليد فى مجال جلسات الجبنة النسائية عند الاونشو تناولنا فيها مدى عظمة هذه الحبة السحرية المسماة( بن)..... وهى فعلاً سحرية ولها مفعول السحر بالعقول...... وربما صارت أكبر عظمة من ذلك....
فمساء الأمس وبينما كنت أمرر مؤشر التحكم عن بعد لإختيار قناة فضائية مناسبة لمشاهدتها إذا بى أتوقف عند قناة النيل الأزرق وفى حلقة من برنامج ( مساءBN) تم عرض موضوع ترويجى عن البن كنوع من الكريمات التى تدخل فى نضارة الوجه ومعالجة بعض العلل الجلدية وكثير من الإستخدامات فى مجال الطب...... وقد إستغربت كثيراً من قوة هذه الحبة السوداء التى يكتشف فيها الناس الكثير من المنافع بعد أن أتهمت ظلماً انها إحدى الأسباب الداعمة لعلة ضغط الدم......ولكنها برغم ضررها فهى كثيرة الفائدة.... والله أعلم......وكونوا بخير وصباحكم Zain

جديد مواضيع عامة 9:21:00 ص