728x90 AdSpace

اخر الاخبار
الثلاثاء، 25 أكتوبر 2016

عرق الضهب ....

عزيزي القارئ لاتظنن أني قصدت بعنواني أعلاه ما أصطلحت عليه قبيلة التنقيب الأهلي ب ( عرق الدهب).... وهي سلسلة الصخر الذي يحتوي علي معدن الذهب بمناجم التنقيب الأهلية....!
كلا ف( عرق الضهب) المقصود في موضوعي هذا هو نوع من جذور ( عروق) بعض الأشجار العجيبة القدرة والتي يعتقد فيها بعض الناس بأن لها قدرة أو خاصية غريبة في تضليل وتوهان من يدوس عليها بقدمه دون دراية ( يعفصها/ يفجغها) ..... ومفردة (ضهب) بعامية كردفان تعني التوهان أو الضلال ( أي عدم معرفة الإتجاه الصحيح).... فلو كنت في الغابة سائرا وتصادف وجوده تحت قدمك فدست عليه فلا محالة أنك تائه وربما ضللت طريق العودة لدارك إلا بعد حين أو بمساعدة الغير إذا ساعدك الحظ وصادفت شخصا أثناء سيرك بلا هدي.....!
في العام ١٩٩٠ ومع بداية الإنفلات الأمني بمنطقتنا ونتيجة لهجر أهلنا لديارهم تجنبا للوقوع في كماشة الجيش الشعبي و قوات الحكومة فقد نزحوا وإستقروا حول قرية أطو في مناطق متفرقة وقد أمضوا قرابة العام علي حالتهم تلك قبل أن يغادروا المنطقة نهائيا نتيجة لتأزم الموقف......!

وقد وقعت حادثة غريبة أثناء إقامة الناس في القرية .... إذ في صبيحة يوم من شهر رمضان خرجت عجوز من القرية مبكرة كعادة أهلنا وسارت في حواري القرية وهي تصبح علي الجميع وهي في طريقها لإحضار حزمة حطب كانت قد تركتها علي مبعدة من القرية في أمسها....
وسارت وهي تحي وتصبح بصوتها الممتلئ حبا ومودة لكل من تصادفه أو تقع عينها عليه داخل فناء داره.... إريري جركوالو.... كنكو جركوو..... إشني... كنيندو..... وهكذا.... وقد عرف الجميع عن سبب تبكيرها بالخروج لأنها كانت تود أن تحضر الحزمة قبل إرتفاع القيظ والناس صيام....
ذهبت العجوز وإنشغل الناس عنها بأعمالهم إلي أن إنتصف النهار وهي لم تأت بعد.... ثم حان وقت العصر ولما تزال في غياب فخرج ذووها يتحسسون أخبارها علي مضض من الآيبين من المزارع والرعاة فلم يقفوا لها علي خبر فأسرعوا إلي حيث موقع الحزمة فوجدوا الحزمة لازالت باقية في موضعها لم تمسه يد فأسقط في أيديهم......
وأتي الليل والناس تجول في الوادي والخيران يندهون عليها علها تسمع فتجيبهم ولكن الوادي كان صامتا ولايجيبهم إلا صدي ندائهم فعادوا أدراجهم عندما إنتصف الليل وقد أضناهم التعب....
وفي صبيحة اليوم التالي بكر الجميع في الخروج مستدلين علي آثار نعلها فساروا يتتبعونه حيث وجدوا أنها بمجرد دخولها الوادي إنحرفت وإتخذت طريقا آخر ودخلت الأحراش سائرة دون هدي حتي إبتعدت عن القرية وسارت مبتعدة..... وتتبع الناس الأثر حتي خرجوا من دائرة المنطقة بعشرات الأميال ومالت الشمس والناس في أثرها سائرون حتي وصلوا صخرة ضخمة مسطحة حيث رأوا آخر أثر لنعلها ثم إختفي الأثر وداروا حول الصخرة ولم يجدوا أي دليل آخر وبحثوا حول المنطقة فلم يجدوا شيئا فعادوا لقريتهم والحزن يلفهم ..... وقد إختفت العجوز دون أن تترك خلفها دليلا يوحي بوجودها أو حتي بوفاتها إلي يومنا هذا.....
ولقد عايش صاحبكم حكاية أقرب لهذه الحادثة وفي نفس القرية ( أطو)....
فبعد إعلان إتفاقية السلام وعودة الناس إلي مناطقهم أختار الوالد أن يعود إلي القرية إسوة بالكثيرين الذين حنوا للديار فذهبت معه بصحبة أولادي للمساعدة في تهيئة مأوي لهم خاصة أن المطلوب من مواد البناء كان متوفرا بقرب القرية....
وذات يوم قمت مع إثنين من أولادي مبكرين لقطع كمية من أعواد البناء كالشعب والكو والمطارق فقطعنا منها كمية وجمعناها علي مشارف القرية وكنا حينها نسمع صوت ماكينة طاحونتها تصخب وتهدر ونسمع جلبة القوم وهم لبيوتهم يعمرون ..... فقد كنا قريبين جدا من بيوت القرية.
وكانت قد تبقت لنا شعبة واحدة( قائم العرش) فقلت لبني دعونا نبحث عنها ونحن في طريق العودة للبيت فنقطعها لإتمام العدد المطلوب.... وسرنا في طريق العودة وأنا منشغل بالنظر والتفحص باحثا بين فروع الأشجار عن هذه الشعبة لقطعها وكان الولدن منشغلان أيضا بصيد الطيور بنبال لهما فلم نفقه إلي أين نحن سائرون في طريقنا هذا....
ونحن نسير مطمئنين إذا بنا نفاجأ بإبن عم لي يحمل فأسا وتظهر علي ملامحه آثار الإرهاق من العمل وكان النهار قد إنتصف....
وبعد التحية بادرني الرجل قائلا... إيجيرندي شيرو أتي...؟ أي أذاهبون أنتم إلي الوادي.
فقلت... نانا أيجر.... شالكوندي شيرو .... أي أي وادي تقصد فنحن في طريقنا نقصد الدار...
فضحك الرجل وقال بأن هذا طريق الوادي وأننا قد إبتعدنا عن القرية وإنه قادم من بطن الوادي حيث كان يعمل في بستان له منذ الصباح وغادره عائدا للبيت....
لم أدر بماذا أجيب صاحبي عدا أننا تبعناه عائدين أدراجنا فوصلنا القرية متعبين.... وفي المساء حيث يجتمع الكل في المر ( المنتدي) تداولوا حادثة توهتنا مع العيال وروا أحداثا مماثلة وقعت بالقرية ومن بينها حادثة العجوز المسكينة....
وقد ذكر أكثر من شخص أن من وراء هذه الأحداث جذر لنوع من الشجيرات أسماه البعض ( أوركيلي) أو ما يسمونه بعامية كردفان بعرق( العلني)... وقالوا بأن من يدوس عليه جاهلا بموضعه فمصيره أن يضل وجهته إلا أن يعان من غيره... ومنهم من قال إذا عرف المرء أنه تائه فما عليه إلا أن يضجع مطمئنا تحت ظل شجرة وبعد أن يصحو سيجد نفسه قد علم ناحية الوجهة التي يقصدها فيتجه إليها ويصلها....
الغريب في الأمر أن هذه الشجيرة بجذرها أو عرقها العجيب ورغم وجودها قل من يصادفها فيعرفها لأنها رغم تواجدها إلا أنها نادرة الظهور للعيان وتشبه في صفاتها أسطورة الشبح أو ال ‏Ghost‏....
كونوا بخير وصباحكم ‏Sudani ‎
  • Blogger Comments
  • Facebook Comments

0 comments:

إرسال تعليق

Item Reviewed: عرق الضهب .... Rating: 5 Reviewed By: nietomaga.blogspot.com