728x90 AdSpace

اخر الاخبار
السبت، 17 سبتمبر 2016

وينوتيWienoty ‎‏ ....


من أكثر الإعتقادات رسوخا في ذهن أي فرد من الأونشو أيمانه بقوة الذرة كطعام ومدي إمكانيته في العيش لمدة طويلة بالإعتماد علي الذرة والماء لا علي أي شئ آخر وقد أدحضوا ونفوا بذلك الحكمة الشهيرة التي تقول ( ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان ).....
والشاهد أن الأونشيد إذ إنعدمت منه الذرة أو طحينها بالبيت يدخل في دوامة لايخرجه منها إلا إيراد الذرة أمامه..... وقديما حين تحل بهم المجاعات كانوا يهاجرون بحثا عن الذرة رغم توفر لحوم الدواجن والبهائم والصيد بكثرة وذلك لأيمانهم بأن أي شئ ماخلا الذرة (لايغني ولا يسمن من جوع)......
ولشدة هذا الولع بالذرة كغذاء رئيسي كنت تري الرجل منهم قديما حين يخرج للعمل يحمل قربة ماء وضع بداخلها لقمة من( العصيدة) وقليل من البلتو ( مسحون السمسم) علي الماء وذلك يعتبر خير زاد له حتي يمسي فيعود بكامل نشاطه.....
ويوم كنا رعاة إستمرأنا أن نقضي الشهور الطوال بالفريق ( مخيم رعاة البقر) نعتمد فقط علي ( الأيجنقوري) وهو مزيج اللبن ودقيق الذرة أو ال(إيجنوي) وهي البليلة باللبن وكنا لانعرف خلاف هذين الصنفين من طعام أبدا إلا شيئا من لحم الصيد أحيانا.... كما كنا لانعرف الأبيضين أبدا ( الملح والسكر).....!
وأذكر حكاية رواها لي جدي عن أسرة قديمة داهمت المجاعة قريتهم فهلك الجميع ولم تبق إلا هذه الأسرة لأنهم كانوا قد إدخروا شيئا من الذرة .... ومازالوا يستهلكون من مخزونهم هذا حتي لم يتبق لهم منه إلا مقدار حفنة ( كف اليد) فجعلوه في قدر كبير وملأوا القدر ماءا ثم وضعوه علي النار ..... فكانوا إذا جاعوا يأتون فيأخذ كل منهم حبة واحدة من الذرة وجرعة من مائه المغلي كما نفعل بأقراص الأدوية تماما......!
وعاشت الأسرة فترة من الزمان علي هذا المنوال وكمية الذرة بالقدر تتضاءل حتي لم يتبق منها إلا حبة واحدة فصاروا يضيفون إليها الماء ويغلونها ثم يكتفون بجرعات الماء دون أكل حبة الذرة..... ورغم ذلك كانوا يحسون بالعافية والنشاط ويؤدون عملهم علي أكمل وجه حتي جاء يوم فإحتال أحدهم وإختلس حبة الذرة وإنتشلها من الماء وأتي عليها فلم يستطع القوم المقاومة بعدها فهلكوا ولم يبق منهم إلا صاحبنا الذي إختلس الحبة فعاش ليأسس أسرة له بفضل طاقة تلك الحبة وقوتها......!
وتلك القصة من القصص الواقعية التي كان يرويها لنا أسلافنا من كبار السن وكانوا يوصوننا بشدة لعدم التفريط في مخزون الذرة بالبيت منذرين لنا بأن الكوارث والمجاعات تدور دائما في فلك دائري حول إبن آدم ويمكنها الإنفلات من فلكها في أية لحظة لتداهم الإنسان وفي أضعف مكامنه وهي مخزون الطعام لديه...... ولشدة إيمانهم بطاقة الذرة كانوا يزجروننا حين نقول لهم أن المريسة حرام( خمر مصنوعة من الذرة) فكانوا يردون علينا مستنكرين بقولهم ..... وينوتينا....؟
أي..... أليس هذا بماء ذرة....؟
فكنا نصمت ونبتلع إعتراضنا علي منطقهم هذا لإدراكنا أنهم لايشربونها حبا للثمالة وإنما بحثا عن طاقة تعينهم علي العمل بنشاط .... وهذا ماكنا نشاهده فيهم خاصة في النفاير إذ كانوا بعد شربهم لهذه المريسة ينجزون أضعافا من الأعمال دون كلل أو فتور خاصة في الأعمال الزراعية فكنت تراهم ينهون عملهم بحقل صاحب النفير ثم يسرعون لحقل جاره ثم جار آخر قبل غروب الشمس وهم من ما إزدردوا منتشون...!
ومن طرائف إرتباط الأونشو وحبهم للذرة كغذاء هام أن جدا لنا كان مسافرا للخرطوم أيام كانت الناس تسافر بالقطارات..... 
إعتلي جدي متن القطار في مقصورة مريحة وسار القطار متهاديا يقطع الفيافي والقفار ولايتوقف إلا في بعض المحطات المتباعدة فينزل الركاب لشراء زوادتهم من الطعام.....
ولأن هذه هي المرة الأولي لجدي في السفر بهذه الآلة فقد إتخذ لها تدابير غاية في الجدية منذ بداية نيته علي السفر وكانت خطة جدي غاية في الحنكة وهو صاحب التجارب التي أكسبته حرصا شديدا للبقاء والإستمرارية‎ ‎‏(‏Survival)......!
ففي إحدي المحطات الريفية توقف القطار وكان الوقت ليلا فوجدها جدي فرصة سانحة لاتعوض فأخذ جرابه ( حقيبة جلدية) ونزل سريعا وجمع شيئا من الحطب وجده من مخلفات أعمال الدريسة ( الدريسة هي أعمال النظافة وصيانة السكة حديد ) .....!
وبسرعة أوقد النار وأخذ حفنة من الذرة كانت بالجراب فجعلها في آنية طبخ صغيرة أخرجها من الجراب ووضعها علي النار وسكب الماء وجلس بكل براءة وهدؤ ينتظر نضوج ( البليلة).....!
ولكن لسؤ حظ جدي العزيز لم يكن قائد القطار علي علم بتخطيط ركابه وبما كانوا ( يطبخون) من ورائه فأطلق صافرته المدوية وإهتز القطار معلنا تحركه للمسير فأجفل جدي لهذه الحركة ( البايخة) التي لم يكن يتوقعها من ربان القطار فطار عقله قبل أن تطير حلة البليلة من فوق النار.... إذ أن جدي لخشيته من أن يفوته القطار نسي حلة البليلة التي كانت أمامه فتعثر فيها فأطاح بها وبمافيها وهو يهرول صائحا في قائد القطار..... يازول أربط.... ياسواق أربط .... أربط....
ولكن :
هيهات هيهات لا جن ولاسحرة
بقادرين علي أن يلحقوا أثره...
أو كما قال طيب الذكر بروفسير عبدالله الطيب في قصيدته الشهيرة في وصف القطار.....

كونوا بخير وصباحكم ‏Zain
  • Blogger Comments
  • Facebook Comments

0 comments:

إرسال تعليق

Item Reviewed: وينوتيWienoty ‎‏ .... Rating: 5 Reviewed By: nietomaga.blogspot.com