أعادني العنوان أعلاه إلي ستينات القرن الماضي يوم أن كان للقطار عظمة ولعمال السكة حديد سمعة ولمدينة عطبرة صيت ومجد حتي سميت بمدينة( الحديد والنار) إذ كانت بها ورش صيانة قاطرات سكك حديد السودان قاطبة....!
وللقطار في تلكم الأزمان صيت ومجد لم تصله حتي الطائرات التي تحلق جوا ولا السفن التي تمخر عباب البحر لأن معظم البضائع كانت تنقل عبره ويترحل غالبية السودانيون علي متنه..... وقد شكل بعظمته هذه إلهاما لشعراء المدن فأطلقوا لقرائحهم العنان منشدين ومغنين ...فقال أحدهم:
القطار المر ... فيهو مر حبيبي.
وذكر آخر قائلا :
القطر الشالك إنت يتكسر حتة حتة.... وتسلم لي إنت
وأرتجل صديقي سفرون أبياتا علي هذا المنوال فقال:
القطر الشال معاوية... يتكسر زاوية زاوية....
حتي ختمها لنا الفنان أحمد الصادق بقوله:
القطار دور حديدو ... مني شال زولي البريدو .... الفراقو علي حار ...
القطار المر ... فيهو مر حبيبي.
وذكر آخر قائلا :
القطر الشالك إنت يتكسر حتة حتة.... وتسلم لي إنت
وأرتجل صديقي سفرون أبياتا علي هذا المنوال فقال:
القطر الشال معاوية... يتكسر زاوية زاوية....
حتي ختمها لنا الفنان أحمد الصادق بقوله:
القطار دور حديدو ... مني شال زولي البريدو .... الفراقو علي حار ...
والملاحظ أن القطار عند أهل المدن وال(Center) كان يمثل دور العازل بين المحبين وذلك لرحيل أحد الطرفين أو إنتقاله علي متن القطار بعيدا .... وتلك كانت تعد معضلة العشاق يومها فكانوا يؤلفون الأشعار يذمون القطار الذي يفرق الأحباب.....!
أما أهل الريف والقري النائية فالقطار لديهم كان بمثابة وسيلة من ( وسائل التواصل الإجتماعي) لربطه أهل الريف بمعارفهم من أهل الحضر .... كما كان يعد نوعا من وسائط الأمن والضمان المالي للباحثين عن الثروات بعيدا عن مسقط رأسهم....!
وأول ماأذكره عن القطار هو محطة السكة حديد الرئيسة بالخرطوم وأكثر شئ كان يميز موقع المحطة هو (نصب الجندي المجهول) الضخم أمام بوابته وكان يمثل أثرا غامضا بالنسبة لي فكنت كلما وقع نظري عليه أتخيل أنه قبر لكل جندي قتل في المعارك فيؤتي بجثمانه حيث يلقي بداخله ... وإعتقدت بوجود حفرة هائلة في وسط النصب تلقي فيها تلك الجثامين.....!
الشئ الثاني الذي أذكره هو النظافة والإنضباط والهدوء الذي كنا نجده بالمحطة.... فعلي الرغم من ضخامة الكتل البشرية المسافرة وذويهم المودعين إلا أنك كنت تشعر بإنضباط وهدوء غير عادي يعم المحطة وحتي طريقة عبورك للبوابة كانت حديثة جدا لانراها إلا في المطارات حاليا .... إذ كانت هناك بوابة للعفش وبوابة للأفراد عبر ممر ضيق لايمرر إلا شخص واحد كما في المطارات حاليا.....!
وبدخولك ساحة المحطة تفاجأ بشبكة السكة حديد الممتدة وتتلقف أذناك مصطلحات يتناقلها الناس في أحاديثهم فتسمع بمشترك عطبرة ... وقطر تمانية الأبيض.... ومشترك نيالا.... وناظر المحطة والمفتشين... والتصاريح والتذاكر .... ووزن العفش... وعربة الفرملة......!
وتجد الكل ينظر لساعته لا ليضبط بها الزمن وإنما ليضبط ساعته علي موعد دخول القطار للمحطة ليعتلي متنه الركاب .... فقد كانت حركة القطار مضبوطة بدقة متناهية بحيث يضبط الناس ساعاتهم عليها دون أدني ريب.... فإذا قيل أن القطار سيدخل الساعة السابعة فتأكد من ساعتك وأضبطها عندما تجد القطار قادما.....!
ومما أذكره هو درجات مقصورات الركاب وتباينها والتي كانت تبدأ بالدرجة الأولي وتنتهي بالدرجة الرابعة وتتخللها مقصورات لها أسماء غريبة كالسيناتور والبوفيه والحراسة والفرملة..... وكانت هنالك مقصورات مخصصة للعاملين بالقطار كالمفتشين والكماسرة والشرطة ولايجوز للركاب حتي التجول حولها وكنت لصغر سني أجهل حتي موقعها بين عربات القطار.....!
وكان أكثر شئ نحب مشاهدته هو ( الرأس) أو البابور كما كان يطلق عليه وهو القطار مقر القيادة الذي يجر كل المقصورات.... وكانت لاتسنح لنا فرصة رؤيته إلا عند المنحنيات أثناء سيره حيث تري الجميع وبإزدحام مبالغ فيه يطلون من نوافذ المقصورات وتضع النساء أطفالهن علي حواف النوافذ لتتاح لهم رؤية الرأس هذا وكأنهم ليسوا براكبيه وإنما مجرد مشاهدون قد مر بهم هذا المارد.....!
وعندما أقول مارد فأنا أعني ماأقول.... ذلك لأن صورة القطار يومها كان عجيبا فقد كان من نوع القطار البخاري الذي يشبه بعرباته من الخلف تنينا أسطوريا ينفث الدخان من رأسه كما يفعل الحوت الأزرق وله أذرع بجانبه تتحرك جيئة وذهابا وكأنها أذرع عداء يجري في سباق مع الزمن وله صافرة تقطع عليك أفكارك إذا سمعتها.....!
والطريف أنه كان لسيره علي السكة حديد دغدغة حلوة تجعل الأطفال ينامون نوما عميقا علي وقع إهتزازه المنتظم وكأنهم علي أرجوحة.....!
والأطرف من ذلك أن جميع الصلات والعلاقات كانت تبدأ بداخل المقاصير بجدال وخلاف سرعان ما يتحول إلي علاقات حميمة تمتد حتي نهاية الرحلة.... أما عن كنه هذه العلاقات وكيفية سيرها والأحداث علي متن القطار و ( خارطة الطريق) فأترك تفاصيل وصفها لرواد السفر ومرتادي الموانئ والمطارات والسكة حديد ليمتعونا بما في جعبتهم من ملح وطرائف مختلفة فكونوا بخير وصباحكم Zain
والأطرف من ذلك أن جميع الصلات والعلاقات كانت تبدأ بداخل المقاصير بجدال وخلاف سرعان ما يتحول إلي علاقات حميمة تمتد حتي نهاية الرحلة.... أما عن كنه هذه العلاقات وكيفية سيرها والأحداث علي متن القطار و ( خارطة الطريق) فأترك تفاصيل وصفها لرواد السفر ومرتادي الموانئ والمطارات والسكة حديد ليمتعونا بما في جعبتهم من ملح وطرائف مختلفة فكونوا بخير وصباحكم Zain
0 comments:
إرسال تعليق