728x90 AdSpace

اخر الاخبار
الأربعاء، 21 سبتمبر 2016

قهوة الزيبك ....

 
في الآونة الأخيرة تشعبت بنا المواضيع وقادتنا إلي مرافئ ذاخرة بالذكريات التي عاصرتها غالبية أصدقاء كوجينقلي ومنها قطارنا الأثري الذي سماه البعض قطار الهم وأطلق عليه البعض إسم قطار الشوق ومارس البعض حقهم بالإجماع السكوتي...... ولم يكن هذا الصمت تمردا وإنما نوع من مكابدة ( الشروم) الذي كانوا يعانونه من جراء عدم إحتسائهم لكوب من الجبنة( القهوة) ينشطون ويفعلون به أدمغتهم (ليتكيفوا) مع جو الذكريات هذا.....!
ولقد رأيت عددا منهم يصفق بكلتا كفيه مطالبا ولو كوب جبنة يأتيه من مقهي كنداكة امال ولكن ذهب طلبهم ( مع الريح) .... إذ غادر القطار تلك المحطة ولم تستطع الكنداكة اللحاق ب( زبائنها) فبارت الجبنة الكبيرة ولم تبع منها شيئا.....!
عزيزي القارئ يذكرني مدخل الحديث أعلاه بنموذج من أندية الحياة الإجتماعية بالمدن الكبيرة كان سائدا في فترة خمسينات القرن الماضي وحتي ثمانيناته ثم إندثر لتحل محله الأندية الرياضية ومراكز الشباب.... وذلك النموذج كان مايسمي بالقهاوي وهي جمع قهوة( مقهي)..... فماهي القهوة أو المقهي......؟
القهوة بالعامية السودانية تعني مقهي أما إذا أرادوا إسم القهوة بمعني مشروب فهم يقولون (جبنة) وتلك من الإستعارات الغريبة في عالم اللغة العامية فهم يطلقون المشروب ويريدون به المحل ( قهوة= مقهي= نادي)..... وفي الثانية يطلقون المحل ويريدون به المشروب ( جبنة= قهوة)....!
وأذكر أن الناس في ستينات القرن الماضي كانوا كثيرا ما يذكرون إحدي هذه الأندية ونوعية الخدمة فيها وحتي في العهد القريب كانوا يذكرون في نوادرهم قهوة الزيبك الشهيرة بالخرطوم والتي كانت تقع جنوب المسجد العتيق وشرق السوق العربي.....!
وكانت قهوة الزيبك حسب روايات معاصري مجدها تعتبر في مصاف الأندية والمقاهي الإنجليزية أو التركية لما تجد بها من أنشطة مختلفة كالمراهنات وألعاب الذهن( كوتشينة/ شطرنج/ دومينو/ نرد) وحتي الميسر ..... ويتخلل كل هذه الأنشطة تقديم مشروبات ساخنة كالشاي والقهوة وبعض السندوتشات الخفيفة.....
ولموقع هذه القهوة( المقهي) الفريد في وسط الخرطوم وبين أسواقها الشهيرة وهي :
١/ سوق الخضار والذي سمي بالسوق المركزي فيما بعد.
‏٢/ السوق الأفرنجي...
‏٣/ السوق العربي...
هذا الموقع أعطاها زخما وشهرة خاصة قربها من المحطة الوسطي التي كانت بمثابة مجمع مواصلات العاصمة لجميع ضواحي الخرطوم.... ولذلك كان الكل يهرع لأخذ قسط من الراحة وممارسة بعض الهوايات بهذه القهوة ولا أنسي ممارسة هواية القراءة والإطلاع حيث توفر الكتب والمجلات والصحف السيارة بمكتبة (سودان بوكشوب) الشهيرة والتي كان موقعها غرب المحطة الوسطي وكانت تعد إحدي دعامات المقولة الشهيرة يومها ( القاهرة تكتب وبيروت تطبع والخرطوم تقرأ).....
ولم تكن هذه المقولة جزافا فحينذاك كثر الكتاب والمؤلفون بمصر أمثال طه حسين وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس وعباس محمود العقاد وغيرهم ..... ويومها إرتفع هدير المطابع بالعاصمة اللبنانية بيروت لطباعة كتب ومؤلفات هؤلاء...... ولم يكن من مستهلك لهذا الإنتاج الضخم إلا السودانيون إذ أن الدول العربية كانت ترزح تحت ظل الفقر والأمية ولم تكن بها حوجة لإشباع النهم العقلي فهم كانوا في حوجة لإشباع بطونهم وإتخام جيوبهم من المال.....
ونعود لمقهي الزيبك بالخرطوم والذي أنشأت علي شاكلته بعض المقاهي حيث أذكر منها (قهوة رزق) بكوبر وكانت تقع شمال نقطة بوليس كوبر السابقة أو شمال غرب سينما كوبر الحالية.... وكانت تحتل موقعا وسط ساحة ميادين للعب كرة القدم إلا أنها لم تدم طويلا فإنهارت....!
أما في الريف فإن القهاوي إتخذت منحي آخر ومفهوم خدمي أقوي من المفهوم الإجتماعي فقد أنشأها أصحابها علي جوانب الطرقات الولائية المعبدة أو الموسمية وكانت تعد بمثابة أسواق تعرض فيها منتجات هذه القري من محاصيل زراعية ومصنوعات يدوية مختلفة وكنت تجد رواكيب ضخمة صنعت من المواد المحلية حيث يستقبل فيها سائقي اللواري وركابهم وقد تأتي بعض البصات في فترة الصيف لإختصار المسافات بين المدن التي تقصدها مثال بصات الخرطوم كادوقلي والخرطوم الدلنج وكانت تختصر المسافة بسلوكها (شارع الهوا )الذي يمر بمناطق كرتالة هبيلا ويلتقي بالطريق المسفلت في منطقة السماسم.... أما شارع الهوا فكان يقطع الإسفلت متجها إلي لقاوة حيث نجد قهاوي الأونشو بخور أبوزيد.....
وأذكر أن قهاوي خور أبوزيد أنشأت أول مبدأها علي يد العم كمندان كرتكيكلا ويومها كانت قهوته تسمي ب( قهوة النوباوي) ولحق به عدد من أهالي قرية أطو فأنشأوا رواكيب كانت تقدم أفخر أنواع اللحوم ومختلف الأطعمة بما فيها قشاطة الحليب الفاخرة ( كباية شب مليانة)..... كما إبتكر الأونشو ولأول مرة في عالم القهاوي خدمة الحمامات....
ولهذه الميزات كنت تجد أي سائق لوري يساهر الليل ويجتهد قاطعا الفيافي ليقيل( من قيلولة) بقهاوي خور أبوزيد حيث يجد خدمة الحمامات بأنقي مياه الآبار ويجد اللحم الطازج .... وقد شاهدت مرة عروسا تسرع وتشتري لحما وتطبخه لعريسها ليستمتع بما تطبخه يدها مباشرة حتي قبل وصولهما لمنزل الزوجية بالخرطوم....
وللحقيقة فقد شعرت تجاه هذا العريس بنوع من الحسد خاصة حين دخل فإستحم وغير ملابسه ليخرج فيجد الطعام جاهزا وبيدي من.... يدي عروسه وكأنه في داره وليس بخور أبوزيد وفي خلاء يبعد ٤٥ ميلا من أقرب مدينة وهي الدلنج.....‏
عزيزي القارئ مؤخرا إندثرت تلك المقاهي لتعقبها ثورة المطاعم التي يهتم أصحابها بالثراء علي حساب المساكين من مرتاديها بالمدن وعلي حساب المسافرين يقدمون لهم أردأ ألوان الطعام مصحوبة بلعناتهم التي يصبونها لهم لأتفه الأسباب.... وكان لأصدقاء كوجينقلي كل الحق حين نادوا بعودة قهوة أو مقهي ( أولال كيلي) لصاحبتها بت نورين ليجدوا في (أحضانها) دفء الأهل ومودة الأخوة وإحساس الإصدقاء..... فلهموا نجمع ال( الكو / اللحا/ الرصاص/ العرضات/ الشعب/ المطارق/ والقش‎ ‎‏) لننشئ قهوتنا الجديدة.... وكونوا بخير وصباحكمZain

  • Blogger Comments
  • Facebook Comments

0 comments:

إرسال تعليق

Item Reviewed: قهوة الزيبك .... Rating: 5 Reviewed By: nietomaga.blogspot.com