لم أر بحياتي آلة موسيقية إحتلت أهمية
وعناية كبري عند جميع شعوب العالم كآلة البروجي....!
وآلة البروجي عزيزي القارئ هي آلة نفخ
نحاسية بدون مفاتيح لايتعدي طولها الخمسين سنتمترا لم تستخدم كثيرا في الفرق
الموسيقية أو الأوركسترا كما يطلق عليها ولكنها إشتهرت كآلة تنبيه هامة عند الجيوش
والمحاربين منذ أمد بعيد.....!
وكانت آلة البروجي تعد عنصرا مهما جدا لدي
أية مجموعة من القوات النظامية في مختلف بلاد العالم وكانت تأتي في المرتبة
الثانية بعد العلم الذي يمثل هوية وشعارا لتلك الدولة أو المجموعة النظامية.....!
وكنا نلاحظ أهميتها عندما نشاهد الأفلام
الحربية القديمة في السينما وكيف أن فرق الخيالة تستخدم تلك الآلة لتلهب الحماس في
الجنود للهجوم علي الأعداء وكيف أن صوت البروجي كان يدخل الرعب في قلوب العدو فيفر
جنوده هربا حتي ولو لم يشاهدوا المهاجمين إذ كان يكفي سماعهم لصوت البروجي فقط
ليطلقوا سيقانهم للريح.....!
آلة البروجي تلك شاهدناها في مختلف المواقع
العسكرية ونقاط الشرطة حيث كانت تعد آلة ضبط للزمن وتجميع الجنود في أي موقع
عسكري.... وكنا نسمع صوتها فجرا تهدر من فناء حامية الدلنج إيذانا ببدء طابور
الصباح أو مايسمونه ب(تمام ستة) الصباحي..... كذلك كنا نسمعها إذا جاء زائر هام
للمنطقة العسكرية فتعزف البروجي ضمن مراسم قرقول الشرف أو (سلام السلاح) كما يطلق
عليه العسكريون......!
وآلة البروجي هذه هي سليلة آلة النفخ
البدائية التي تسمي ب(القرن) والتي كان يستخدمها أجدادنا في الإعلان للحرب أو
نفخها لتجميع الناس للصيد أو لدفع الحماس عند العمل في النفاير والحشود وكرنفالات
الطقوس عند الكجرة.....!
الأونشو كانوا من أكثر الناس إستخداما للقرن
في مثل هذه المناسبات وكانوا يطلقون علي تلك الآلة إسم ( دوترDuter) وكانت تعتبر
بمثابة مكبر صوت ومنبه بعيد المدي يمكن سماعه علي بعد أميال كثيرة.....!
ونسبة لبراعة الأونشو في إستخدام آلة الدوتر
المصنوعة من قرون التيتل أو حتي من قرون الأبقار فقد كانوا من أكثر الجنود الذين
يتم تعيينهم بروجية ( نافخي بروجي) وكانوا دائما في مقدمة الجيش عند الهجوم وقوفا
لإشعال الحماس فيه.......!
ومن أشهر البروجية عند الأونشو العم (سيلمي
Silime) وكان ضمن قوة دفاع السودان التي حاربت في شرق إفريقيا وليبيا
وتم إبتعاثهم لتقديم طابور الشرف أمام ملكة بريطانيا العظمي أليزابيث عند إنتهاء
الحرب العالمية الثانية في العام١٩٤٥.... ولأجل هذا عندما تم تسريحه من الجيش وهبت
له آلة البروجي التي لازمته طيلة فترة خدمته في الجيش عرفانا له وتقديرا......!
عاصرته حين كنت صغيرا وكان يزورنا بالخرطوم
بحري متأبطا آلة البروجي النحاسية اللامعة التي كانت لاتفارقه أبدا...... وكان
يقيم في البراري غرب موقع معرض الخرطوم الدولي حاليا....!
والطريف أنه كان مصرحا له بعزف تلك الآلة في
أي مرفق ومتي يحلو له ولذلك قيل أنه إذا أراد السفر للبلد وبمجرد إعتلائه متن
القطار وعند تحرك القطار من محطة الخرطوم ينفخ في البروجي وسط دهشة الركاب وعند
دخول القطار محطة الأبيض ينفخ معلنا وصوله.... وعند وصول اللوري للدلنج يعلم الكل
بوصول العم سيلمي عند سماعهم لصوت البروجي المشهور..... وكان نشطا تجده في كل قرية
من قري الجبال يعلن عن وصوله للقرية بنفخ البروجي وإذا تصادف أن كان بالقرية يوم
سوقها يقف وسط الجمع وينفخ البروجي محييا الجمع فيضج المكان بالزغاريد والروراي
حماسا.....!
عزيزي القارئ تلك كانت خاطرة جالت برأسي
فوددت توثيقها متذكرا أحد أهم أعلامها من الأونشو وأعتقد أنها تعد من نوادر
الذكريات لإندثار آلة الدوتر التي تعتبر النموذج الأولي لآلة البروجي العسكرية
المهددة بالإنقراض والإندثار أيضا .... كن بخير وصباحك Zain
0 comments:
إرسال تعليق