قبيل بزوغ الشمس بلحظات يجتمع الناس في حوش
كبيرهم الذي يقع غالبا عند ملتقي طرقات القرية أو في ( Center ) القرية كما
نقول .... فيتناولون أكواب الشاي باللبن مع شئ من الكعك( خبيز) وربما أرسلت إحداهن
صحنا ممتلئا ببليلة اللوبا بالبلتو أو شيئا من الكوكولري( قوقر).....!
ويجلس الكبار علي عناقريب موزعة عشوائيا
بينما يفترش البعض حصيرا علي الأرض يتخللهم الصبية جلوسا بينهم .... وبينما يحتسون
أكواب الشاي قد يسأل البعض عن أحدهم وسبب غيابه عن المر ( المجلس) فيفاد بأنه خرج
يبحث عن بهيمة له بالخلاء تخلفت عن رفيقاتها بالأمس.... أو أنه قرر زيارة أصهاره
والمبيت عندهم في القرية الأخري لأن الأمطار هطلت بشدة هنالك.....!
ومايزال القوم بمجلسهم هذا يتسامرون حتي
يحين موعد الإفطار فترسل النساء أطباقا بها مختلف صنوف الطعام وعلي رأس قائمتها
العصيدة بملاح التقلية وخاصة تقلية اللوبا ونعيمية الروب وبجانبها فنجان من
الشيندو ( السمنة البلدية)..... وأما أعظم طبق في هذا الصباح فهو المرسل من الإيدو
أورتو وهي إمرأة كبيرة السن وقد تكون أرملة في الغالب ورثت ثروة كبيرة فصارت لها
سمعة ومكانة بالقرية..... هذه الإدو أورتو ترسل في الغالب طبقا من العصيدة به (
كورديلي نوا) .... أي ملاحا من لحم الديك.... حيث تجد قطعا كبيرة من اللحم موزعة
بجوانب العصيدة.... وربما شذت هذه الكنداكة عن غيرها في تعظيم وتفخيم طعامها حفاظا
لذكري زوجها ( الكريم) قائلة للقوم أن هذه الدار لن تنعدم منه عادة الكرم بوفاة
سيد الدار وإن هذه السجية ستكون ديدنا وتقليدا إلي قيام الساعة..... وبمجرد كشف
الغطاء تنتشر النكهة المميزة لهذا الطبق.....!
وتبدأ الأطباق في الورود وربما تصاحبها
أطباق من الشعيرية والبلح كتحلية وتبدأ مائدة الإفطار وسط التندر بما يجدونه من
تباين في أمزجة نساء القرية علي التفنن في الطباخة...... فتجد من يغير مكانه إلي
حيث طبق آخر يحبه أو تجد أحدهم يشير لطبق بعينه وجد أن الأيدي لاتمتد إليه لأن به
فلفا حارا ( شطة)... وآخر يسأل عن ملاح نقري ( كمبو) فيمدونه بطلبه علي عجل تحت
وابل من النوادر تطاله لتفضيله لهذا الإدام ( الملاح) بالذات..... ومنهم من يتذمر
من كثرة الملح بالملاح وكيف أن حظه منه لم يكن بأفضل من صاحب الإدام ذي الفلفل
الحار.....!
علي إن كل ذلك لايدع الآخرون يتركون هذه الأطباق دون مد أيديهم لها فكما يقال دائما تجد تباينا في أمزجة الناس تجاه الأطعمة ومذاقها لأن ( حب الناس مذاهب) وخاصة في تذوق نكهات الأطعمة وأستطيابها......
علي إن كل ذلك لايدع الآخرون يتركون هذه الأطباق دون مد أيديهم لها فكما يقال دائما تجد تباينا في أمزجة الناس تجاه الأطعمة ومذاقها لأن ( حب الناس مذاهب) وخاصة في تذوق نكهات الأطعمة وأستطيابها......
وأثناء إنشغال البعض بتناول الوجبة يقوم بعض
الشباب بإيقاد نار علي مبعدة من المجلس لعمل الشاي وأما كبار السن فينشغلون
بالتسامر أثناء أدائهم لمختلف الهوايات فمنهم من يفتل حبلا وآخر ينجر عودا وإثنان
يعالجان شيئا من أدوات العمل.....!
في منتصف النهار تجد المكان يعج بالضيوف
وباقي أهل القرية الذين تأخروا عن المجلس صباحا وتجد المكان وقد أصبح كخلية نحل من
كثرة حركة الناس جيئة وذهابا خاصة الأطفال الذين يتم إرسالهم لقضاء أغراض الكبار
وخدمة ضيوف المجلس.....!
وبعد صلاة الظهر وقبيل العصر بقليل يقوم أحد
الشباب بتوزيع أوامر للصبية بتجهيز الأباريق لغسل أيدي الناس ويقوم بإستنفار
مجموعة من الشباب لبيوت معينة بالقرية حيث أن أصحاب هذه الدور هم الذين نحروا
ضحاياهم لهذا اليوم حسب تنسيق أهل القرية المعروف منذ أجيال ..... فيسرع الشباب
لإحضار صواني الغداء وسرعان ماتجد الصواني تصل محمولة علي أعناق الشباب فيقوم ذاك
الرجل بتوزيعها علي مجموعات الجلوس وفق عدد محدد لكل صينية فتجده يزيد فردا هاهنا
ويحذف فردا من هناك ويكون قروبا هنا...... وبنفس الحين يأمر حملة الصواني بالتوجه
ناحية القروبات الجاهزة ولاينسي توزيع أوامره للصبية بخدمة الحضور .....!
وعندما ينهمك القوم في تناول مايقدم لهم تجد
نفرا من الشباب ناشطا في خدمتهم فمنهم من يستقبل الوافدين من الأضياف ويرشدهم
للجلوس في أماكن مريحة بحيث يتم تكوين عدد محدد لمدهم بالطعام ومنهم من يحمل وعاءا
به مدد من الملاح وتجد صبية يحملون أكواب الماء يلبون بها مطالب القوم.....!
بنهاية المأدبة تجد المجلس قد هدأ وسكن
سكونا غريبا إلا من حركة الشباب الذين يرفعون الفوارغ من الآنية لإعادتها
للمنازل..... وتسمع نداءا من كبار السن لإحضار الشاي هنا وهناك ويبدأ البعض ممن إحتسوا
الشاي بمغادرة المجلس مبدين مختلف الأعذار وأما الشباب فتجدهم قد ذابوا فجأة وكأن
الأرض إنشقت وإبتلعتهم .... وحتي الصبية تجدهم ينسلون الواحد تلو الآخر حتي لم يعد
بالمجلس إلا الأفراد الذين أنشأوا هذه الجلسة صباحا وقد عادت جلستهم إلي سيرتها
الأولي إلا من تناثر بعض العظام وشيئا من فتات الطعام يتخاطفها كلاب البيوت
المجاورة والتي أتت تلبية لهذه المأدبة مع أصحابها فتسمع زمجرة هاهنا وتري عراكا
هناك بين كلبين قد يحتدم أو يتدخل القوم بفضه صائحين هييا .... هييا.... جر ....
جر .....!
وعند أولي سويعات الأصيل والشمس تودع للذهاب
إلي خدر أمها...... وعلي بعد مسافة يبدأ إيقاع ضربات الكرنق إيذانا بإيقاد شعلة
كرنفال عيد الأضحي المبارك في البلد .... ويبدأ الحفل بتوافد أرتال من الشباب
والشابات وقد تزينوا لهذه المناسبة فيأتون فرادي ومجموعات وراجلين (وعلي كل ضامر
يأتين من كل فج عميق)........
عزيزي القارئ.... هذه لوحة طبيعية (جدا) من
بلدي وإن كانت قديمة بعض الشئ إلا أن اللوحات القديمة تتميز بقيمة مادية ومعنوية
أعلي من التي رسمت حديثا ...... أهديها لك لتزين بها صالة جلوسك أو ال(Hall) لتباهي بها
ضيوفك وزوار بيتك فهنيئا لك بها ..... وكن بخير وصباحك Zain
0 comments:
إرسال تعليق