قال (ص) بني الإسلام علي خمس.... وذكر في
الحديث حج البيت لمن إستطاع إليه سبيلا...
وما
أود تناوله هنا مفهوم الإستطاعة وكيف أن الناس قديما كانوا يجدون من المشقة في
سبيل حج البيت وبالذات شعوب قارة إفريقيا إذ كان عليهم الإعداد قبل أكثر من عام
علي موسم الحج ...
ومنهم
من كان يسافر من بلد لآخر عاملا مجتهدا لتوفير معينات السفر وخاصة جيراننا من
نيجيريا الذين كانوا يفدون إلي السودان ويقيمون سنين عددا لكسب المال في سبيل الحج
فمنهم من يرزقه الله فيحج بعد فترة ومنهم من تنقطع به الظروف فيبقي مقيما وبعد
فترة يتزوج وينجب البنين وينشغل عن زيارة البيت بأسرته وهكذا حتي تتوسع العائلة
وتتجنس بجنسية البلد المضيف وينقطعوا عن مسقط رأسهم...
ولمشقة
السفر الذي كان عن طريق الدواب والأرجل وأخيرا بالسفن كان الشخص يضطر لشراء
زاملتين ( حمير أو جمال) يركب إحداها ويحمل علي الأخري لوازم سفره من زاد
ومستلزمات أخري... وعند وصوله ميناء سواكن يقوم ببيعها لزيادة مصاريف السفر
بالباخرة ... وقد لاتكفي مصاريفه رغم ذلك فيضطر للعمل ، ولذلك كان الناس يبدأون في
ترحالهم منذ بداية العام الهجري ليلحقوا بموسم الحج القادم بعد عام من عزمهم علي
الحج...
وقد
ذكر جار لي قائلا... سافرت من دولة النيجر بصحبة أبي وأمي وأخي الأكبر بنية الحج
فوصلنا مدينة الأبيض بعد ثلاثة أشهر ، ونسبة لإرهاق السفر أقمنا فيها فوجدناها
مدينة تدر مالا لمن يكد فعملت مع أخي بالعتالة بسوق الأبيض بينما أبي يعمل في
الرقية والطب النبوي(فكي) ووالدتي تبيع الفول والدكوة ... وفي فترة وجيزة إكتسبنا
مالا أعاننا علي السفر للقضارف وهناك إزددنا مالا فسافرنا لسواكن...
وهناك
أخبرونا أن السفر بالباخرة مكلف جدا ولكن بالإستطاعة السفر بالسمبك ( مراكب شراعية
صغيرة) لأنها أرخص تعرفة... وبالفعل إتفقنا مع أحدهم ليقلنا إلي جدة ... وكان الوقت
ليلا لأن الإبحار علي هذه المراكب يشكل خطرا علي الركاب لأنها سهلة الغرق ولا
تقاوم الأمواج ولذلك كانت السلطات تمنع سفر الحجيج علي متنها ولكن الناس كانوا
يتحايلون فيسافرون بها معرضين أنفسهم للموت غرقا...
قال
... كنا أربعين حاجا ونحمل أثقالا من الزاد وأشياء أخري ولذلك عندما أعتلينا
المركب وإنطلق مبحرا وبعد مسافة أعطونا مواعين(آنية) قائلين إن علينا أن نغرف
الماء الذي ينضح من قاع المركب فإستفسرنا عن ذلك لنعلم أن بالمركب ثقوبا بقاعه
ترشح ماءا فإذا لم نقم بغرفه ستغرق المركب...
قال...
عند سماعنا ذلك أصبنا بالهلع وقمنا بالإحتجاج وطالبنا أصحاب المركب بإعادتنا للبر
خاصة إن الإبحار كان يستغرق أسبوعين أو أكثر ... وتحت إصرارنا تمت إعادة المركب
للساحل... وقام وكيل السفر بإرجاع قيمة التذكرة لإصحابها عدا أسرتنا قائلا أنه
تصرف في بعض المبالغ لتجهيز المركب للسفر وإن علينا الإنتظار مدة حتي يجد لنا
مالنا وأعطانا جزءا منه.... وقد أضطررنا للبقاء بسواكن وفاتنا موسم الحج في ذلك
العام فباشرنا العمل هنالك حتي بداية الموسم التالي إدخرنا خلال تلك الفترة مالا
يكفي سفر ثلاثة منا بالباخرة فأضطررت للتخلف وسافر والداي وأخي ...
قال...
بعد عودة الأسرة من الحج ونسبة لتدهور ظروفنا المالية أضطررنا للعودة للقضارف
ومنها لكوستي وهناك إشتغلت بالحياكة(الخياطة) وكنت أحيك قمصانا ملونة مزركشة
الألوان رأيت أن أهالي الجنوب يحبونها... وبالفعل إزدهرت تجارتي فصرت أجهز كميات
أرسلها إلي مدينة الرنك للتجار فتدر علي مالا كثيرا ... فإنشغلت عن الحج وتزوجت
وصرت ذا عيال ومازلت أتقهقر في أماكن إقامتي حتي أستقررت بقرية التكمة(شرق الدلنج)
وعملت بالبستنة هنالك وقد من الله علي بالحج بعد ثلاثين عاما من عقد نيتي علي
زيارة البيت العتيق فحججت والحمد لله.
ذاك
كان حديث جاري حاج إبراهيم من النيجر والذي أصبح سودانيا ولديه رقم وطني ومنزل
وجنينة وأسرة يعمل أبناؤها في مختلف المجالات....
إعلم
أخي القارئ أن أول حاج من الأونشو هو الحاج الكنق(بضم الكاف) إبن كجور كوتية(قطية)
وأخيه فكي مدير ، وقد من الله عليهم بالحج في فترة كانت تمارس فيها طقوس وأسبار
الأورو ... يومها كان الإسلام غريبا علي الناس ... وقد صدق رسول الله (ص) حين
قال... بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا فطوبي للغرباء..... وصباحكم زين.
0 comments:
إرسال تعليق