.... واصل محدثي سرده قائلا إن كوركيلي بعد تأكده من أن الحرس جميعا في حالة من السكر عمد إلي مخزن المهمات مع قومه فأخذ شيئا من الذخائر وتمون بمايكفي للطريق ثم أطلق سراح النساء والصبيان وأرسلهم مع بعض الرجال في المقدمة ليطمئن علي عدم إعاقة فرارهم وأثناء ذلك تنبه قائد الجهادية السود وهو من العرب فخرج ليعرف سبب توقف الضجة التي كانت تنبئه بمواصلة الحفل ففوجئ بالرجال قد فتحوا المخزن وتمونوا وبدأت مؤخرتهم في مغادرة معسكر المهدية فأسرع مع نفر من الحرس ليمنع هؤلاء ولكن الرجال قد عقدوا العزم علي المغادرة وعدم إطاعة أي أمر من قائدهم فإشتبكوا معه... وحسب تعليمات كوركيلي بعدم إطلاق أي عيار ناري إشتبك الرجال بالسيوف والعصي فكان القائد من نصيب كوركيلي حيث وبضربة واحدة من الأودل قطع رأسه وتعامل الآخرون مع بقية الجند بكل سهولة وأجهزوا عليهم ثم بدأوا بالخروج متسللين إلي حيث الهواء الطلق...!
واصل محدثي إنه بعد خروج الرجال من المعسكر أخذوا طريقا يؤدي إلي جهة الغرب للتمويه فساروا حتي وصلوا قرية من القري مع بداية الصبح... وحتي لايتعرف عليهم الناس ويشون بهم أطلق كوركيلي ورجاله ثلاث طلقات من الأعيرة في الهواء فطاشت عقول رجال القرية وخرجوا وجلين لإستطلاع الأمر فقال لهم كوركيلي وكان أعلم القوم بالعربية... قال لرجال القرية هؤلاء هم طليعة قوات المهدي القادمة لإستقبال جيش المهدية القادم من الغرب بعد الإنتصارات المدوية التي حققها علي الكفار هناك.... وهم في عجلة من أمرهم وإن علي كل من في القرية البقاء في بيوتهم وعدم مغادرتها حتي لايصيبهم جند المهدي وهم لايعلمون ثم أن هناك أمر من الخليفة أن علي كل قرية المساهمة في دعم جيش المهدي بالمال والزاد والزوامل...!
أتت فطنة وحيلة كوركيلي نتائجها سريعا إذ عمد رجال القرية إلي التكبير والهرولة والإسراع بالمطلوب فتبرعوا بالزاد وبعض الجمال لحملها وودعوا السرية بالزغاريد وهي تغادر قريتهم بينما نساء القرية يتصايحن في أولادهن أن ألزموا البيوت ولايخرجن أحد إلي الخلاء إلا مرغما...!
... سار الركب مرتحلا ورجاله يتخيرون من الطرق أسهلها وأبعدها عن الأنظار وإذا صادفوا قرية أمامهم نفذوا فيها حيلتهم تلك حتي إمتلأت القافلة وأصبحت النساء راكبات علي الإبل بينما إمتطي الرجال جيادا... ثم إنهم ولخفة حركتهم وخبرتهم بالطرق وصلوا إلي ديار كوركيلي بالنما حيث دخلوها ليلا فأخفوا أمر وصولهم ومازالوا مختبئين يتشممون الأخبار من السيارة حتي علموا أن حمدان أبي عنجة قد إنطلق ملبيا أمر الخليفة التعايشي إلي البقعة أم درمان بعد أن يأس من اللحاق بالفارين من الجهادية السود.... وهنا تنفسوا الصعداء وبدأوا في إقتسام ثروتهم وغنائمهم من الجياد والإبل والأسلحة وذخائرها ثم إرتحل كل قوم لديارهم...!
سألت محدثي قائلا: ماكان شأن صاحبنا كودركوندو...؟ قال: أثناء حصار جبل توما وبعد أن بدأ المحصورين يجهدون من الجوع وبدأوا بأكل بهائمهم النافقة خاف كودركوندو علي جواده فتسلل ذات يوم حتي وصل إلي جبراكة منزل كجور بول معتزما دخول فناء الدار ولكن لمتانة زريبة الدار لم يستطع التسلل فإعتزم الدخول عنوة من باب الدار ... وبينما هو سائر بمحازاة ( الأور) وهو درب ضيق يقود إلي باب الدار... إذا به يشتم رائحة نتنة قوية تزخم أنفه حتي كاد أن يفرغ مابجوفه فإلتفت إلي مصدر الرائحة ليجد هيكلا عظميا لحيوان نافق بدأت الكلاب تنهشه ولشدة دهشته رأي علي عنق الحيوان النافق سيرا من الجلد بنهايته حجابا حديديا مربوطا به... ياللهول... أليس هذا حجاب جوادي..؟ وماالذي أتي به وربطه علي عنق هذا الحيوان النافق...؟ وإقترب حذرا وهو لايصدق عيناه... لأن ماوجده أمامه كان حقا هو بقية جواده ذا الحجاب... ذلك الجواد الذي طالما طار به دون جناح ونافس به الإنس والجن في السرعة.... إسودت الدنيا في عينيه فجلس يحدق في ( الرمة) التي ترقد أمامه لاحول لها ولاقوة... وجال ببصره فرأي مقابر حديثة لأناس دفنوا حديثا ومعظمهم أطفال حسب صغر حجم القبر فتأملها مليا ثم وقف وجال بنظره وهو يري ماآلت إليه حال القرية .... وإنحدرت دمعة ساخنة علي خديه وهو يغادر... ولست أدري مآل هذه الدمعة ولأجل من... أكانت حزنا علي جواده الأصيل... أم لفقده رجالا وأطفالا من قومه( الكوري).... كان سيكون لهم شأن في مقبل الأيام.... إنتهي
0 comments:
إرسال تعليق