الحكامة وأثرها علي المجتمع (٤) ،،،

ذكرنا فيما سبق صنفين من ثأثيرات الحكامة علي المجتمع بمختلف تبايناتها الموجبة والسالبة... وكنت وعدتكم بتناول نوع ثالث أسميته بالنوع الخطير وذلك لفداحة الناتج من تأثر المجتمع منه.... وهذا النوع هو مايمكن أن نسميه التأثير التأليبي وينتج عن قيام الحكامة بإستفزاز مشاعر الرجولة والنخوة في أفراد المجتمع لتنفيذ بعض المهام الصعبة كالحروبات والغارات القبلية أو حتي مجابهة بعض الحيوانات الخطيرة لإثبات شجاعتهم وقوة شكيمتهم....!

وقد يؤدي هذا النوع من التأثير إلي نتائج سالبة بالمجتمع كفقده لبعض الأفراد أو حتي( خراب الديار) كما يقولون .... وماخراب ديار المك نمر علي يد التركية بخافي وذلك بعيد إستفزاز الحكامة مهيرة بت عبود للشباب قائلة: كن ماقادرين للحرب أدونا السيوف وهاكم رحاطتنا...... وقد كان أن إندفع أبناء دارجعل دون هوادة فأبيدوا عن بكرة أبيهم ولم يتم مرادهم وخربت عاصمتهم (المتمة)....

ومن هذا النوع من غناء الحكامات ماذكره جدي عن حكامة الأونشو التي تسمي (نمبرو Numbero) وكانت ذات صيت وتجيد إلهاب المشاعر في الشباب فينفذون صعاب الأمور ..... فذات يوم وقفت تغني وتقول :
كدوار أووي ... نجونق مندور
أل أونري...
شي تلي كوتانيني أرا كولا...
والمعني.... أنها خاطبت فارسا يسمي( كدوار) وقالت أنها تشتهي نوع من الذرة الرفيعة الحلوة المذاق تسمي( مندور) لايوجد إلا في بلاد النجونق( النيمانج)..... وإن عليه أن يأتي بها من هناك لتأكلها....
وكان المعروف أن المنطقة صعبة لوجود العصابات التي تتاجر بالبشر( تجارة رقيق) أو عصابات النهب.... ولكن رغم ذلك تطوع الفارس كدوار وثلة من أصدقائه فذهبوا وأحضروا لها طلبها....

وبعد أيام وقفت نمبرو في حفل آخر وتغنت قائلة :
كدوار أوووي... جلدور كوكولا أل أونري....
شي تلي كوتانيني أرا كولا....
والمعني.... ياكدوار لقد أشتهيت الذرة من نوع( كوكولا) الموجود بمنطقة جلد ( بضم الجيم واللام) ... ورغم وعورة طريق جلد الجبلي وترصد العصابات فقد ذهب كدوار وصحبه وجلبوا لها ماتمنته.....

ولم تمض فترة إلا وتغنت طالبة أن يجلب لها نوع يسمي ( بولوكو) من منطقة تيمين فإنبري لها كدوار وأتي بالطلب..... ولكنها إزدادت طمعا فتغنت ذات يوم طالبة نوع يسمي( تولونق) وهي ذرة مسماة علي منطقة زراعتها وتقع هذه المنطقة بين كتلا وكابيلا وهي مضيق جبلي ولذلك يقال لها( تولونق بور) أي معبر تولونق....

وهناك تم أسر الفارس كدوار وأصحابه حيث كان الناس قد نصبوا كمينا محكما في هذه المنطقة الوعرة فلم يستطع كدوار وصحبه الإفلات.... وجاء الخبر ينذر بالشؤم لوقوع فرسان القرية في الأسر من جراء مطالب الحكامة نمبرو المتكررة......!

وكانت والدة كدوار من أكثر الناس تأثرا بهذه الحادثة ولكنها كانت واثقة من إنفلات إبنها من الأسر وعودته ولذلك كانت عندما تدخل إلي جبراكتها لنظافتها من الحشائش وأثناء إنهماكها في العمل تأخذ في مناداة إبنها قائلة:
أتي كدوار.... كدوار أوووي... تانونق نشوارا....
أي ماذا تنتظر ولم لم تأت حتي الآن.... وهكذا إستمرت في مناداته وكأنها تراه......

وهناك في منطقة كتلا عاني الأسري ماعانوا من الويلات.... وذات يوم وبينما أخرجوا لقضاء الحاجة صباحا في الخلاء جلس كدوار وتأخر بحجة حفر ثمار ال( توب) وهي درنة مثل البامبي حلوة المذاق لها تأثير عند البعض ( وأنا منهم) فهي تجعلك تحس بدوار وكأنك راكب فوق مروحة..... وكان كدوار يعلم بهذا ولذلك أعطي حارسه قطعة كبيرة الحجم فأستصاغها الحارس ونهش منها فبدأ مفعولها يسري في رأسه فإقتنص كدوار الفرصة وأطلق ساقيه للريح......!

وفي صبيحة اليوم التالي وكعادتها صاحت العجوز منادية من داخل جبراكتها قائلة :
أتي كدوار.... كدوار أوووووي..
فأجابها إبنها من خلف سور الجبراكة قائلا ... ووووي.

لم تصدق الأم أذنيها ولكنها وقفت ملتفتة ناحية الصوت الآتي من وراء السور لتجد إبنها يدخل قافزا إلي داخل الجبراكة فإحتضنته وأطلقت زغرودة أسرع علي إثرها كل من بالقرية فرحا ومهنئا بعودة فارسهم .......

ومن يومها إجتمع أعيان القرية وأصدروا قرارا بمنع الحكامة نمبرو من هذا النوع من الغناء المهلك من أجل نزوات شخصية لافائدة منها سوي إشباع الشهوات والمفاخرة.....

ليتنا نجد في عهدنا الحالي من يسن تشريعا يمنع بموجبه كافة الأغاني من جنس المهلك وغير المهلك منها فلا فائدة ترتجي من ترديدها وإتباع تقاليدها التي تروج لها بكلماتها المبتذلة ....

كسرة....
قالت الحكامة في رجل من قبيلة الحلاويين يسمي عبدالقادر إمام ودحبوبة فاتحة شهية نفسه المتهورة للدواس ( الحرب) :
بتريد اللطام.....
أسد الكداد الزام.....
حديت البلد من اليمن للشام...
سيفك للفقر قلام....

فإستل الرجل سيفه وهجم مندفعا كالأعمي علي رجال الجيش الإنجليزي المدججين بالأسلحة النارية الحديثة فأسروه حيا وعلقوه علي فرع شجرة في وسط سوق البلد وقصموا عنقه علي مرأي من حكامته.... فراح ضحية غنائها الذي ألهب مشاعر النخوة والفروسية المتهورة في نفسه.......

((تحذير هام من وزارة الصحة))....

عزيزي القارئ الإستماع لغناء الحكامات والحكامين ( علي وزن دبابين) الهابط ضار بالصحة نرجو الإقلاع والإمتناع عنه....وكن بخير وصباحكZain.

جديد فنون Slider 11:05:00 ص