728x90 AdSpace

اخر الاخبار
الجمعة، 1 سبتمبر 2017

الناس في بلدي (١)


هناك أغنية جميلة لمجموعة عقد الجلاد تبدأ بهذا المقطع الجذاب... الناس في بلدي يصنعون الحب.... يقرأون السلام... عليكم السلام... عليكم السلام.... أو شئ من هذا القبيل لست أدري صحة ماذكرته من جمل ولكن علي أية حال فهم يعبرون عن مايجيش في صدر غالبية الغبش الذين تأثروا بوضع هذا البلد الذي أصبح في أطرافه ملتهبا بفعل الحروبات والفوضي الأمنية وملتهبا في مركزه بحرارة المناخ والبلاوي البشرية المختلفة.
مدخلي هذا يقودني إلي فتح كوة صغيرة للإطلالة علي ماضي غابر عشناه أيام الطفولة مستقبلين العيد في بلدي... وياله من زمن... وكان أهم مافيه من ذكريات ذلكم الجلباب من قماش الدبلان القطني100% ناصع البياض وله عبق مميز هو خليط من رائحة الخيط وزيت ماكينة الخياط والذي يبقي عالقا بالقماش أمدا طويلا مالم يغسل الجلباب.
نعم ذلك الجلباب الذي قد يكون تمت خياطته قبل أسبوع أو أسبوعين من حلول العيد ويتم حفظه في شنطة الحديد الخاصة بالوالد خوفا عليه منك أن تمتد يدك وبها شئ عالق فيتسخ قبل أن تلبسه ولكن رغم هذا الحظر المبالغ فيه فقد كنا كثيرا مانجد طريقنا إليه متسللين وبعد أن نخرجه ونتشمم رائحته التي تكون قد إختلطت برائحة العطر الخاص بالوالد تطمئن قلوبنا ونسرع إلي الشارع لنقص علي أصدقائنا ماجلب لنا من السوق واصفين الجلباب وكأنه جلباب فرعون المطرز من خيوط الذهب والفضة الذي أوهمه ذاك الخياط المحتال أنه خاطه له وألقاه علي جسده العاري حتي فضحه غلام لم يتعد الخامسة من عمره وكشف قلة عقله في تلك القصة الشهيرة.
ولقد نسيت أن أذكر لك عزيزي القارئ أهم جزئية ألا وهي حذاء (الشدة ) البلاستيكي الناصع البياض ذي الرائحة الكيماوية المميزة وبها ( إبزيم) علي الجانب لربطه بالكاحل وأشهر أنواع هذا الحذاء نوع يسمي بلبل أو سكر... ويومها لم نكن نعرف الأحذية الجلدية المقفولة لأنها كانت حكرا علي أطفال أغنياء المدن وحتي هؤلاء لم يحظوا إلا بأحذية ذات سيور جلدية تسمي شبط.
ويوم يأتي العيد كانت تجري لنا مراسم ( فوق العادة) إذ كنا نخضع لحمام قاس حيث أننا غير معتادين علي بل أجسامنا بالماء(إلا خريفا)..... عدا غسل اليدين إلي الكوعين قبل الأكل أما بعده فهنيئا لرؤسنا بباقي زيت الملاح العالق بأكفنا وأصابعنا .... وإلا مسحنا أيادينا بعد إمتصاصها جيدا وتحت رقابة أولياء الأمر نقوم بمسح باقي المخلفات اللاصقة بالأيدي ( بلتو وويكة) في العمود الوسطاني( الشعبة) للراكوبة فكان كل والج للراكوبة يلفت نظره لون تلك الشعبة الزيتي الداكن من أثر اللمسات الفنية التي تتركها أيادينا الملطخة بأنواع من الإدام( الملاح) المختلف الطعم والنكهة والمكونات.
وبعد خضوعنا لذاك الحمام الطقوسي الموسمي الإلزامي تظهر الألوان الربانية (الأصلية) لجلودنا التي لم تكن قبل ذلك لتفرزها من جلود نظرائنا من صغار البهم وكيف لا وقد كنا نتشارك المرتع سويا ونقوم بالإحتكاك بها ونحن نقيد أرجلها في مربضها أو نقوم بإطلاقها صباحا لتذهب لتناول الكلاء....
وماإن يتم فتح الشنطة إلا ويقف البيت كله (تعظيم سلام) وتمتد الأعناق تتطلع متلصصة تتفقد مابداخل الصندوق الأسود ( الشنطة) فيبدأ الوالد بتأني محبط جدا لنا في إستخراج محتويات ذاك الصندوق الأسود والكل يصرخ مستعجلا له لمنحه مايواليه من مكملات الوجاهة في هذا اليوم العظيم... والغريب إن ذاك الصندوق الأسود ( الشنطة) كان يحوي كل مانحتاج وكأنه سيوبرماركت فمن جلاليب إلي أحذية فعطور وثياب نسائية وحتي حجارة البطارية وقد تجد بعض العققاير الطبية كحبوب السلفا( سلفاديازين) والمبيدات كالنفتالين وإبر الخياطة والخيوط... فحقا كان صندوقا أسود بكل معني لما يحتويه من أشياء متباينة.
ويكتسي البيت كله بالفرحة والبهجة بعد أن ينال الجميع حقوقهم ويبدأ الكبار بالإنزواء ركنا بينما يحتل الصغار مركز الراكوبة بمساعدة الأخوة والأخوات الأكبر سنا لإرتداء الجديد تحت وطأة تعليمات صارمة بالحفاظ علي تلكم الممتلكات وإعادتها ومن بداخلها بحالة جيدة.
وما أن نغادر المنزل مسرعين حتي نجد من سبقونا في إرتداء ملابسهم يقفون متلهفين لإلقاء نظرات النقد والإستحسان علي مانرتدي وكيف نبدو فيها... ثم تبدأ رحلة العيد ومغامراتها نحو المجهول....

ياتري ماذا سوف نجد في تلك الرحلة الراجلة وإلي أين سنذهب وبمن سنبدأ.... ذلك ماسنعرفه غدا في مثل هذا الوقت إن شاء الله فكن بإنتظارنا وكل عام وأنتم بخير.
  • Blogger Comments
  • Facebook Comments

0 comments:

إرسال تعليق

Item Reviewed: الناس في بلدي (١) Rating: 5 Reviewed By: nietomaga.blogspot.com