وحتي يقف الإخوة والأبناء.... غير الراسخين.... علي معني كلمة دآلونق الصرفة لغويا ومعناها الإجتماعي معنويا أدلف بكم إلي مرافئ مقال اليوم...!
الدآلونق عزيزي القارئ هو القدح عند الأنشو وهو إناء ينحت نحتا من خشب الأبنوس ثم يدهن بالزيوت أو الدهن الحيواني حتي يتشبع ثم يستخدم لتقديم الطعام في المناسبات كالأعراس والمناسبات الهامة وهو رمز إفتخار لدي مالكيها من النساء...!
والدآلونق أو القدح أصبح مع مرور الزمن شئ رمزي حيث تجاوز مسماه المادي فأصبح شيئا رمزيا حيث أصبحت كلمة قدح ترمز للمعني الإحتفالي أو التقليدي أكثر من المعني المادي... فقد يقال قدمت النساء قدحا إذا قدمن أي طعام حتي سندوتشات حيث يرمز للطعام بكلمة قدح ....!
في سالف الأزمان كان الأنشو لا يستخدمون القدح إلا في المناسبات الرسمية كترحيل عروس مثلا... حيث يقال إن هناك ترحيل( إيردو) وهي المرأة التي خطبت وتمت مراسم وطقوس الزواج وأنجبت طفلها الأول بمنزل ذويها فيتم ترحيلها لمنزل الزوجية حيث مقرها الدائم...!
وكانت أسرة هذه الزوجة تقوم إحتفاء بترحيل إبنتهم بتجهيز أطعمة بشكل إحتفالي وتصطحب إبنتها إلي زوجها فكان والد الزوجة يذبح بهيمة وتقوم أم البنت بذبح فراخ ثم تعد عصيدة من أجود أنواع الذرة وقد تكون ذرة شامية فتعد منها عصيدة ناصعة البياض( دامرقة) وتكلف لهذه المهمة نساء خبيرات بحيث إنهن عند نضوج العصيدة يجهزن أعدادا من الدآلونق أو الأقداح بعدد أصهار المرأة( أعمام، أخوان، عمات، خالات) وقد تصل لعشرة قدح... بعد تجهيز الأقداح تقوم النساء بغرف العصيدة بالملاعق... أجل بالملاعق العادية المعروفة وليس بالمغراف المعتاد( المينتة) وذلك لكبر حجمه حيث يردن بذلك رسم لوحة سيريالية داخل القدح... فأثناء غرف العصيدة بالملاعق تقوم النساء بوضع مواعين صغيرة بها زيت(وش الملاح) داخل هذه العصيدة وتسمي الواحدة( توندوكا) أي قارورة زيت وغالبا ماتكون قرعة( بخسة) صغيرة في حجم كباية شاي عادية ولها غطاء... وقد أستبدلت مؤخرا بكور( جمع كورة) صغيرة الحجم بأغطية... تدس هذه الآنية الزيتية وسط العصيدة وتكون مغطاة بالعصيدة وغير معروفة الإتجاه ولايعلمها إلا ( من دساها) كأنها لغم أرضي... هذه الأقداح ذات الألغام يعد لها إدام( ملاح) بواسطة نساء( شيخات) فليست كل إمرأة تدس أنفها كما يدس الزيت في الدآلونق فهنا مفترق الطرق وتظهر( مرة الضرة وليست نص المرة أوالتي يأتي خبرها وري)... فتقوم الشيخات بطبخ الإدام ووضعه في آنية من البخس تسمي الواحدة منها( توركا) ولها أغطية محكمة...!
بعد التجهيزات اللازمة من طبخ لحم العنز والفراخ التي تقطع لحومها بحجم كبير كالضلع وتحمر بالزيت الذي يكون أخذ ودس بداخل العصيدة كماذكرنا... بعدها يتحرك الركب بما حمل من نفيس الطعام بصحبة الإيردو أو العروس إلي أهل العريس الذي ينتظر الوفد منذ تباشير الصباح... وغالبا ماتكون هذه الوجبة إفطارا إذا قربت المسافة وإلا فغداء أو عشاء إذا كان دار العريس خارج القرية.... وعند وصول الوفد يستقبل علي باب الدار بالزغاريد وضرب الذخيرة أو من أبواب القرية إذا بعدت مسافة القادمين...!
وبمجرد إنتهاء مراسم الإستقبال يبدأ الناس في توزيع أنفسهم في Groups كل حسب فئته فالأصدقاء لوحدهم، وكذا الأعمام ،والعمات، والأخوان ،والخالات... وكلGroup بقدحه ومرفقاته من لحوم وفراخ... ويبدأون في فك طلاسمها... وفجأة تسمع... ورررااااررراااك... وررراااررراااك... أحد الصبيان يعلو صياحه تعبيرا عن وصولهم مركز القدح... حيث الكنز المخبأ... فيدلقون( التج) أو الزيت علي العصيدة ويلتهمونها وسط زغاريد الكنداكات وتليها صيحات أخري تتبعها زغاريد من القروبات الأخري حتي ينتهي الإحتفال وربما تحمس البعض ووضع نثرية نقدية توهب لست القدح تعبيرا عن تمتعهم بمذاق وطعم هذا القدح وتلذذهم بمحتواه...!
وسار الناس علي هذا النهج حتي تمدنوا فأصبح القدح رمزا تشكيليا في الإحتفالات وأستبدل في مجاله الأساسي بشئ يسمي بالقطر تبهدلت فيه الأسر... لما فيه من تكاليف مادية باهظة وعادة شوفينية مذمومة( الإسراف مذموم)... حتي إن موعد وصول هذا القطر لمحطته وقت بيني غير إعتيادي فلاهو وقت إفطار ولاهو وقت غداء فيتناوله الناس( جمع تأخير)... أو قل( جمع تقديم)... وذلك لدخول وقت الغداء ... وربما تعبت من تناول محتوياته البطون لمابها من أصناف متضاربة ومتعارضة...!
عزيزي القارئ أختم مابدأت مفيدا أن القدح كإناء... معروف لدي عموم أهل السودان في الريف وهناك أناس كرماء إشتهروا بحيازتهم لإقداح ذات أحجام هائلة تسمي الواحدة منها( أبوخرز)... وذلك لوجود دوائر من الحديد بجانبه يحمل منها القدح إذ يحمله أربعة من الرجال كل واحد في جانب ولذلك نجد أن بعض القبائل التي تتصف بالكرم تسمي بنيها ب( قدح الضيفان).... وقيل إن محتوي هذا النوع من الأقداح يشبع مائة شخص.... والله أعلم
0 comments:
إرسال تعليق