نظر إلي كومة الأوراق المبعثرة والمتراكمة
فوق بعض وكأنها أفرغت من عل علي ذلك الصندوق الخشبي القديم الذي تآكل من أطرافه
السفلي بفعل دابة الأرض صديقة الجن ومخبرتها ( الأرضة)... وقال في نفسه لماذا
تفضحنا هذه الحشرة دائما وتفضح أسرارنا أمام الآخرين... وتذكر فجأة ما سمعه من شرح
لآيات سورة سبأ التي لعبت فيها الأرضة دور البطولة في إعلان نبأ وفاة سليمان والتي
تقول... ( فلما قضينا عليه الموت مادلهم علي موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما
خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب مالبثوا في العذاب المهين)....!
ولعن الأرضة في سره مرة أخري لا لأنها فضحت
سره ولكن لأكلها هذا الصندوق الأثري القيم الذي يعتبر من إحدي أغني وأقدم آثاثات
البيت الكبير .... كيف لا فهذا الصندوق المصنوع من خشب شجرة التيك الثمين والذي
إقتنته والدته إبان فترة وجودها في جنوب السودان في خمسينات القرن الماضي وتم نجره
يدويا علي يد أمهر النجارين يومها بناءا علي طلبها حتي تستطيع أن تحفظ فيها أواني
الطبخ خاصتها وتباهي بها رصيفاتها بأن لديها ( سحارة) من خشب التيك...!
وتذكر أنه كيف كانت والدته تعتني بهذه
السحارة وتختار لها ركنا (شديدا) في غرفة نومها لاتصله أيدي العابثين من أفراد
الأسرة وكانت تحفظ بداخله أواني الصيني المختومة بصورة (روميو وجوليت) وهما يجلسان
في حديقة ذات أزهار جميلة.... وتذكر كيف أن والدته كانت تقوم في كل عام وتحديدا في
شهر شعبان وقبيل حلول شهر رمضان بأيام تقوم بإخراج كل مخزونات السحارة وتغسلها جيدا
بصابون ( الصودا) التي تشتريها من (عمك علي بتاع الصودا) والذي كان يجول في
الأحياء يحمل صندوقا خشبيا علي دراجته المتهالكة فهو يقودها راجلا أكثر مما يقودها
راكبا....!
همهم بكلمات غير مفهومة وعبارات وجمل غير
مترابطة من شاكلة.... ياخ مامعقول.... ماممكن.... وبعدين معاك يا.... وفجأة تغيرت
نبرته المستاءة وأصدر صفيرا من فيه كما يفعل من يري فتاة مليحة تمر به ويود أن
يلفت نظرها .... وشعر بقلبه يسرع في ضرباته وكان منحنيا علي السحارة يبعثر الأوراق
بداخلها ولكنه جلس القرفصاء مسرعا حتي دون أن ينتبه علي نظافة موضع جلوسه لأن
ماحمله بيده وأخرجه من السحارة شد إنتباهه أكثر من غيره.....!
ياالله ياالله.... قالها بصوت عال ورددها في
قلبه وهو يقلب بيده رزمة الخطابات المربوطة ب( دوبارة) بعناية فائقة وإن كان قد
علا هذه الرزمة شئ من الغبار بفعل تعاقب الأزمان وعامل المناخ.... وبدون وعي منه
تذكر فجأة شيئا من حصص اللغة العربية كان قد درسه بعنوان رسائل إبن خلدون إلي
ولادة بنت المستكفي.... ورغم عدم تذكره لفحوي تلكم الحصص إلا أن عنوانها أتاه
واضحا بيانا وهو يحمل بيده تلك الرزمة....!
وبدون وعي منه رفع الرزمة يحاول إشتمام
عبقها الفواح ولكنه فوجئ برائحة الأوراق قد تغيرت وطغت عليها رائحة الرطوبة وكانت
الرزمة رطبة بالفعل فأخذها ودخل غرفته بسرعة وهو يدندن بلحن قديم سمعه من فنانة
إنجليزية تقول في بعض مقاطعها :With me bside you is the nest of my
life.....
The comming year will be the best of my life...!
وكان ذلك المقطع مكتوبا بظاهر ظرف أخضر زرعي بخط وردي اللون واضح بشكل مذهل ولم يؤثر فيه عامل الزمن رغم بقائه بأعلي الرزمة وتذكر ( هاجر).... ذلك الإسم الذي ملأ دنياه يوما فعاش دهرا يعد من أجمل سني حياته.... هاجر بنت الجيران التي أبكته بقدر ماأضحكته .... هاجر التي كانت أول من ولج فوائده وسكنته وإحتلت كل دهاليزه المظلمة فأضاءت بشخصيتها طريقا لم يجد في يوم الشجاعة للسير فيه ولم يجرؤ علي طرقه خوفا من نظرات المجتمع وعدم وثوقه بنفسه أن يخوض تلك التجربة...!
The comming year will be the best of my life...!
وكان ذلك المقطع مكتوبا بظاهر ظرف أخضر زرعي بخط وردي اللون واضح بشكل مذهل ولم يؤثر فيه عامل الزمن رغم بقائه بأعلي الرزمة وتذكر ( هاجر).... ذلك الإسم الذي ملأ دنياه يوما فعاش دهرا يعد من أجمل سني حياته.... هاجر بنت الجيران التي أبكته بقدر ماأضحكته .... هاجر التي كانت أول من ولج فوائده وسكنته وإحتلت كل دهاليزه المظلمة فأضاءت بشخصيتها طريقا لم يجد في يوم الشجاعة للسير فيه ولم يجرؤ علي طرقه خوفا من نظرات المجتمع وعدم وثوقه بنفسه أن يخوض تلك التجربة...!
وبلهفة فك طرف الدوبارة وكانت مختومة بورقة
قصت علي شكل فراشة ملونة... وبسرعة فتح الظرف الأول وأخرج منه بعناية فائقة ورقة
ملونة تلوينا باهتا كخلفية عبارة عن حديقة غناء يجلس فيها عاشقان بقرب شتلة مزهرة...
ومرر نظره بسرعة علي المكتوب في الورقة ليطمئن أن لايكون شئ منه قد طمس بعامل المناخ والزمن.... وبعد أن إطمأن علي سلامة المحتوي جلس علي فراشه متكأ علي الحائط وبدأ في قراءة أول رسالة حب وردت إليه من فتاة تعلنه بحبها له صراحة ودون مواربة...!
ومرر نظره بسرعة علي المكتوب في الورقة ليطمئن أن لايكون شئ منه قد طمس بعامل المناخ والزمن.... وبعد أن إطمأن علي سلامة المحتوي جلس علي فراشه متكأ علي الحائط وبدأ في قراءة أول رسالة حب وردت إليه من فتاة تعلنه بحبها له صراحة ودون مواربة...!
وكانت الرسالة مكتوبة بخط أنيق جدا وبحبر
أخضر اللون عمد كاتب الرسالة أن تكون خطوطها مائلة ولكنها متناسقة تناسقا يجبر الفرد
علي الإعجاب بها... وأما اللغة فكانت منتقاة من نموذج كان من خطابات الحب والغرام
كان رائجا حينذاك بالمكتبات ولكن رغم ذلك تخللته عبارات ذات صبغة شخصية أعطت
للرسالة معني ونكهة فريدة...!
وبدأ في تلاوة الرسالة وقلبه يرتجف من هول
وقع الذكري عليه رغم مرور أكثر من ربع قرن من الزمان علي ذاك الحدث ولكن تراءت
أمامه تلكم الأيام كما يشاهدها علي شريط الأخبار بشاشة التلفاز.... وظلت عيناه تمر
علي أسطر الرسالة وشفتاه تقرأن عباراتها ولكن وعيه كان في واد بعيد.... بعيد كبعد
أحداث تلكم الأيام الجميلة في ثمانينات القرن الماضي وتذكر كلمات لأغنية ترنم بها
عاطر الذكر المسمي ب(العندليب الأسمر) أيامها وهو الفنان زيدان إبراهيم والتي تقول
إحدي مقاطعها:
ذكرياتك دايما أمامي....
صورة حية لغرامي....
عشتها بروحي وكياني...
ياسروري وإبتسامي...
وبرضو تصدق.. أخونك....
لو شافت عيونك....
أيه حاصل بدونك...
دي الدنيا بقت عدم....
والحلوة من غير طعم....
والسعادة بقت وهم....
والفرح من غير نغم.....
ذكرياتك دايما أمامي....
صورة حية لغرامي....
عشتها بروحي وكياني...
ياسروري وإبتسامي...
وبرضو تصدق.. أخونك....
لو شافت عيونك....
أيه حاصل بدونك...
دي الدنيا بقت عدم....
والحلوة من غير طعم....
والسعادة بقت وهم....
والفرح من غير نغم.....
ورأي أن هذا الكلام كان المقصود به هو شخصيا
وليس غيره..... فهو لم يخنها أبدا لا أثناء علاقته بها ولا حتي بعد أن فارقته
فأظلمت الدنيا أمام ناظريه ولم يذق بعد هاجر طعم الفرحة ولا طرب لأي نغم وقع علي
سمعه...... وعاد إلي وعيه فوجد أنه كان قد أنهي قراءة الرسالة ولكن دون فهم
محتواها .... فقد كان بجسده في وادي ووعيه في واد آخر ولذا بدأ في قراءة الرسالة
من جديد........ ونواصل غدا بإذن الله.... كونوا بخير وصباحكمZain
0 comments:
إرسال تعليق